الكاتب فؤاد آل مكي    الأربعاء, 31 مارس 2010 08:57    طباعة
البناء الاجتماعي ... وضرورات التغيير -2-

بقلم: فؤاد علي آل مكي

البناء الاجتماعي ... وضرورات التغيير

 التكوين الاسري ثانياً

كان حسن ذلك الشاب الوسيم والذكي يذهب كل يوم برفقة إبن عمه علاء، والذي كان في نفس العمر مع حسن، إلى المدرسة لسنوات. ولكن فجأة بدء علاء يتغيب عن الذهاب للمدرسة ، حسن إفتقد إبن عمه علاء كثيراً ويحن لتلك الأيام التي قضوها سوياً  ولكنه يعلم أن علاء لن يستطيع أن يرافقه إلى المدرسة كما في السابق، لأن علاء أصبح في عداد المرضى النفسيين. فقد تسبب التأنيب المستمر والمقارنة مع حسن وغيرة من الطلبة الأذكياء من قبل والدة إلى فقدان علاء لعقلة ومن ثم فقدان مستقبلة في هذه الحياة.

نعم أيها الأحبه،، هذه قصة واقعية نقلتها لكم على لسان ذلك الشاب حسن نفسه بدون رتوش أو تزيين. وكم لدينا اليوم الكثير من مثيلات هذه القصة المؤلمة، فدور الأسرة في بناء الفرد من أهم المؤثرات في حياة ذلك الفرد وأي نوع من التنشئة  سينشأ عليها ، إما سلباً أو إيجاباً، سيكون هو المحصلة النهائية لذلك الفتى أو لتلك الفتاة. لذى سنستعرض معكم أهمية التكوين الأسري في بناء الفرد.

الإسرة في الإسلام

للأسرة دور مهم في إيجاد الكيانات ونشأتها، ولقد عرف علماء الاجتماع الأسرة على أنها المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من خلال إقتران رجل وأمرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأن أهم أركانها الزوج، والزوجة، والأولاد. وبإعتبار الدين الإسلامي هو دين التكامل، نرى أن الباري جل وعلا قد أولى إهتماماُ بالغاُ حول الكيان الأسري وبين في القرآن الكريم الركائز الأساسية لتكوين الأسرة، حيث تتكون العلاقة فيما بين الزوجين على أساس المودة والألفة. وبعدها بين الباري سبحانه كيف أن الأولاد يتبعون الأباء في سلوكياتهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين من خلال ماتعلموه من الأباء {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} -1

وكذلك نرى من خلال الأحاديث الشريفة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حول تكوين الأسرة والحث الدائم على إنشائها لأنها كما أشرنا سابقاً اللبنة الأساسية لوجود المجتمع وتكامله وأيضاً بقائه، فما عليه الغرب هذه الأيام من تفكك وإنقسام إلا هو ناتج عن التفكك الأسري الذي تعيشه تلك الشعوب منذ زمن عندما كانو يدعون إلى الإخلال بالنظام الكوني لتكوين الأسرة عبر الإنعتاق والتحرر من فكرة الزواج واللإلتقاء والتلاقح كما البائهم -أجلكم الله- بدون أيه روابط شرعية. فكان نتاجاً طبيعياً أن ينهار ذلك المجتمع بشكل تدريجي ويعيش في تفكك مستمر إلى يومنا هذا.

دور الأسرة في تكوين الفرد

"من الأهداف التربوية التي زرعها فكر السيد الشيرازي -قدس سرة- في نفوسنا عبر محاضراته القيمة، كيفية التعامل مع الطفل كونه (أول الزرع) والغرس الذي يمكن أن يكون صالحاً أو طالحاً حسبما نتحكم به نحن الكبار وخاصة في المحيط التربوي الأول (العائلة) فالطفل هو مادة المجتمع الاولى وطريقة تربيته والاجواء التي يعيشها هي التي تحدد نوعية هذا الطفل. شذى علي."-2

نشأة الطفل ليس فقط من الناحية التثقيفية فقط عبر الذهاب إلى المدرسة وتعلم مجموعة من العلومات المختلفة هناك، وإنما يوجد نواحي أخرى يفترض على الوالدين التنبه لها ومنها الناحية الأخلاقية على سبيل المثال، والتي تنشأ لدى الطفل من خلال مايتعلمه في بيته بين والديه وإخوته. فالأسرة المحيطة بالطفل هي المربي الأول لسلوكيات وتعامل ذلك الطفل منذ الصغر مع الأخرين، لذى نرى أن سلوكيات الطفل في بداية إلتحاقه بالمدرسة تكون في العادة مشوبة بالحذر والخوف إذا ماكان الطفل قد تربى على الهدوء والإنعزال، وفي المقابل نجد أطفالاً آخرين مشاكسين منذ اليوم الأول لهم في المدرسة، وهذا طبيعي بالنسبة له فلقد إعتاد على ذلك الفعل في المنزل وليس من الغريب عليه أن يقوم بتقليد ما يقوم به في المنزل أمام بقية الطلبة في المدرسة.

يتبين لنا جلياً أن دور الأسرة في تكوين حالة الفرد النفسية والخلقية مهم جداً منذ الفترات الأولى من ولادة الطفل وحتى فترة النضوج الفكري والإعتماد على الذات. فيجب على الأباء والتربويين التنبه جيداً بأن مسلك الطفل وحياته المستقبلية يعتمد إعتماداً كبيراً على المحيط الأسري بالمقام الأول وكيف ينشأ ذلك الطفل. فإما أن يكون فرداً فاعلاً لنفسه وأسرته ومن ثم مجتمعة، أو ينزوي ويكون حبسياً لإطر أوجدها لنفسه من خلال ماعاشه في واقع أسرته.

الأسرة المنتجة .. والتأثير في المجتمع

لا يطلق لقب الأسرة المنتجة على تلك الأسر التي تنتج مصنوعات يدويه وحرفيه فقط ، وإنما يطلق أيضاً على الأسر التي تخرج من بينها الكتاب والمؤلفين والأطباء وغيرهم. فمثل هذه الأسر أنتجت نتاجاً فكرياً عبر تنمية العقول لدى أبنائها. "من المتَّفَق عليه أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يتأثر ويؤثر اجتماعياً ، فيتأثر بأهله وبمجتمعه وبتاريخه ، وبكل ما يحيط به ، ليؤثِّر أخيراً في بناء شخصية أبنائه ، ومن ثم في حياتهم ، فيرسمُ لهم الأطر التي ضمنها يتحركون."-3

نجد أن محصلة التربية السليمة التي تربى عليها ذلك الطفل ستكون من خلال مايقوم به الشخص سواء لنفسه عبر بناء أهداف وتطلعات شخصية يصبو للوصول لها يوماً ما، أو عبر خدمة لمجتمعه. وهذه لها عظيم الأثر لما يحث عليه الدين الإسلامي معتبراً أن المجتمع يبنى بسواعد أبنائه ولم الدور المؤثر، وبدون وجود هؤلاء الأفراد لن يتكون ذلك المجتمع التكافلي المتكامل والذي يعول عليه بقاء المجتمع وبالتالي بقاء كينونة الدين الإسلامي.

القصة التي تنقل عن الكيفية التي حملت والدة الشيخ الأنصاري (رضي الله عنه) بأنها كانت على وضوء طيلة أيام وساعات حملها به وبعد ذلك الكيفية التي ربته وهي متطلعة بأن يكون ذلك الفتى يوماً من الأيام المرجع الأعلى للطائفة.  فحري بكل الأباء والمربين أن يأحذوها بأن يجعلوا لهم هدفاً حينما يرزقون بمولود ويبدأون بتنشأته على الأسس القويمة للدين الحنيف لكي يكون نتاجاً صالحاً في نهاية أمرة

-----------------

1- سورة الطور آية :(21.)

2- شذى علي- بناء الأسرة المسلمة في فكر السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سرة) -شبكة النبأ المعلوماتية

3- - الدين والأسرة - مركز آل البيت العالمي للمعلومات

تعليقات
بحث
عفوا .. التعليق متاح للاعضاء المسجلين بالموقع ,, التسجيل مجانى ويشرفنا انضمامك لنـا!

3.25 Copyright (C) 2007 Alain Georgette / Copyright (C) 2006 Frantisek Hliva. All rights reserved."